الدرس الأول
العفو الصفح
بعنوان:" ياموسى إني الله الخالق الرازق ومع ذلك يسبونني ويشتمونني"
اعداد/ نبيل الصبحي
1432/4/13
في سيرة موسى عليه السلام ، قال موسى لربه إني أسألك مسألة: قال الله تعالى: وما هي مسألتك يا موسى؟
قال موسى: أسألك يا رب أن تكف ألسنة الخلق عني
تكلموا في عرضه ... تكلموا في أموره الخاصة حتى قالوا أنه آذر لا يستطيع أن يأتي النساء
قال الله: يا موسى وعزتي وجلالي ما جعلت ذلك لنفسي
يا موسى إني أنا الله الخالق الرازق ومع ذلك يسبونني ويشتمونني
ويؤيد هذه القصة ما ورد في صحيح البخاري في الحديث القدسي
قال الله : يسبني ابن آدم، وما بنبغي له ذلك، و يشتمني ابن آدم، وما ينبغي له ذلك، أما سبه إياي، فإنه يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار، وأما شتمه إياي فإنه يقول إني اتخذت صاحبةً وولداً وأنا الله لم أتخذ صاحبةً ولا ولداً"
إذا كان هذا المخلوق الضعيف الذي خرج من نطفة قذرة يسب الله سبحانه وتعالى
فما بالنا بنحن؟؟؟
ونحن أهل التقصير والذنوب والخطايا
أيها القارئ الكريم:
ستجد في هذا الزمان من يظلمك بغير حق
ستجد في هذا الزمان من يصد الناس عن دعوتك.
ستجد في هذا الزمان من يستخدم سلطته لإزاحتك من الطريق
ستجد في هذا الزمان من يتهمك في عرضك
ستجد في هذا الزمان من يصفك بأبشع الصفات
ستجد جار السوء، وصديق السوء، وزميل السوء
فماذا تفعل معهم؟
الزم جانب العفو والصفح معهم
قال تعالى: فمن عفا وأصلح فأجره على الله"
فلك في خير البشر أسوة وقدوة، فقد قيل عنه مجنون، ساحر ، كاهن
أوذي اذى شديدا ومع ذلك صبر وعفا ونال الدرجات العلى، وسار على نهجه العلماء والمصلحون والمربون
النبي صلى الله عليه وسلم قال لأهل مكة "أذهبوا فأنتم الطلقاء"
يا رسول الله قتلوا أصحابك، ذبحوا أحبابك، ومع ذلك تعفوا عنهم
إنه العفو العظيم من النبي الكريم، فحلي بنا ان نتحلى بهذا الخلق العظيم.
فكلما تعفوا وتصفح تزداد عزة ورفعة ومحبة عند الناس
قال صلى الله عليه وسلم: وما زاد الله عبدا بعفوا إلا عزا"
بل جعل الله من اتصف بهذا الخلق من المتقين، والمتقون لهم جنات فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فقال تعالى: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِ"
هذا وفي الصفح والعفو والحلم من الحلاوة والطمأنينة والسكينة وشرف النفس وعزها ورفعتها عن تشفيها بالانتقام
ما ليس شيء منه في المقابلة والانتقام."
ومنا من يتمسك بحقه ، فلا يسامح ولا يعفو ، متمثلاً بقول الله عز وجل
"وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ"
ولكن أقول من ينتصر بحيث لا يطغى!
قال أحد السلف رحمه الله:
"لأن أندمَ على العفوِ عشرين مرّةً أحبُّ إليَّ من أندَم على العقوبة مرة واحدة"
إنَّ العفو عن الآخرين ليس بالأمرِ الهيِّن؛ إذ له في النّفسِ ثِقلٌ لا يتِمّ التغلُّب عليه إلاّ بمصارعةِ حبِّ الانتصار والانتقامِ للنفس، ولا يكون ذلك إلا للأقوياءِ الذين استعصَوا على حظوظ النّفس ورغباتها وإن كانت حقًّا لهم يجوزُ لهم إمضاؤُه ، غيرَ أنَّ التنازل عن الحقّ وملكةَ النفس عن إنفاذِه لهو دليلٌ على تجاوزِ المألوفِ وخَرق العادات
وقد أخرج الإمام أحمَد في مسنده قولَ النبيِّ : "من كظم غيظًا وهو قادرٌ على أن ينفِذَه دعاه الله على رؤوسِ الخلائق حتى يخيِّرَهُ من أيِّ الحور شاء.
وفقنا الله للتحلي بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم
ورزقنا مجاورته في الفردوس الأعلى من الجنة